اللوتس

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

عام


    قصة سيدنا يوسف الجزء الخامس

    لوتس
    لوتس
    Admin


    عدد المساهمات : 202
    تاريخ التسجيل : 12/11/2009

    قصة سيدنا يوسف الجزء الخامس Empty قصة سيدنا يوسف الجزء الخامس

    مُساهمة  لوتس الخميس نوفمبر 19, 2009 3:18 pm

    *يوسف وبنيامين:
    ها هي ذي القافلة تحطُّ في أرض مصر الرّحال .ويتوجَّهُ أبناء يعقوب العشرة بأخيهم بنيامني إلى عزيز مصر، فما كانوا في حديثهم السّابق، معهُ، الاّ صادقين!..

    ويستقبلهم العزيز ببشاشة وجه طلقٍ، وترحابٍ نديٍّ!..

    ويحين موعدُ الطّعام، فيجلسُ كلٌّ إلى أخٍ له، يشاطرُهُ الغداء.. ويومئ العزيز إلى بنيامينَ، فيأخذُه من يده، ويتغدّيان معاً.. ويرمُقُ أبناء يعقوب أخاهم بنيامين، وهو يؤاكلُ الملك، بطرفٍ حسودٍ!.

    وفي غفلة عن أعيُنهم يهمسُ يوسفُ في أذن بنيامين:

    {إني أنا أخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون}

    ويوصيه بألاّ يبوح هذا السرِّ أمام إخوتِه، أبداً!..

    ولمّا جهّزهم الملكُ بجهازهم، موفياً لهم الكيل، أمر بوضع صواع الملك (الصواع، أو الصاع: مكيال نصف مد) في رحل أخيه بنيامين.

    وما أن ابتعدت القافلة قليلاً، حتى استوقفها صارخٌ:

    - على رسلكم!.. تريَّثوا قليلاً!..

    - ماالأمرُ، أيّها الحرسيُّ؟.

    - لقد فقدنا صواعَ الملك، وهو كما تعلمون، من الذّهب الخالص. إنني كفيلٌ لمن يجئُ به، بكيل بعيرٍ من الحنطة، وما هذا الكيلُ بيسير!..

    - والله ما كنا لنخون، وماكنّا لنسرقُ، ولالنعيثُ في الأرض فساداً، نحن، ياهذا، أبناءُ نبيٍّ ابن نبيٍّ، فاتّق الله في أمرنا!..

    - مادمتم لتقولون ذلك، فهيّا إلى العزيز، ليرى رأيه في ماتقولون!..

    ويعود أبناء يعقوب إلى عزيز مصر…

    - مالخطبُ أيّها العزيز؟

    - إننا نفقد الصُّواع الذهبيَّ الذي نكيلُ به الحنطة للنّاس، فلعلَّ أحدكُم سرقه!.

    - سرقه؟.. أترى في وجوهنا سيماء لُصوصٍ، وسُرّاقٍ؟..

    - لعلّه يكون في أحد أحمال هذه الحنطة التي على الإبل، فهيّا، وأنزلوا ماعليها من أحمالٍ!..

    ويُسرع أبناء يعقوب ينيخون الجمال، وينزلون ما عليها من أحمال حنطةٍ، وهم يقولون: والله ماكنّا سارقين!..

    ويقول لهم العزيزُ، وهم يفُكُّون أربطة رحالهم:

    - ماجزاءُ من سرقه إن تبيَّن أنه في رحال أحدكُم؟..

    فيجيبون: كما يقضي بذلك، عندكُم القانون.

    -يتحمَّلُ وحده العقاب دون الآخرين.

    - وهو كذلك!..

    ويتقدم العزيز فيتحسَّسُ أحمال إخوته العشرة، وهم يبتسمون،.. فلا يجد شيئاً..

    ثم يمدُّ يمينه إلى حمل بنيامين فيستخرج الصُّواع منه،.. ويرفعُه في وجوههِم!..

    وتعقُلُ الدَّهشة ألسنةَ أبناء يعقوبَ، ويسطع الغضبُ من عيونهم، فتظهرُ وجوههم حمراء دكناء!.. فمتى كان هذا الحمل الوديع لصّاً خطيراً؟..

    {قالوا: إن يسرق فقد سرق أخٌ له من قبلُ}

    فيرمقهم عزيز مصر بنظرة كالصّاعقة؛ فما زال هؤلاء الرّجالُ على ضلالهم القديم!.. ويجيلُ نظراته في هؤلاء العشرة من الرجال، وقد اعتراهم خزيٌ كاسحٌ،

    { قال: أنتم شرٌّ مكاناً والله أعلمُ بما تصفون}

    وأمر عزيزُ مصرَ ببنيامينَ فأوقِفَ جانباً..

    ولمّا رأى أخوتُه ذلك، ذكروا أباهم، والمواثيق الّتي أخذها عليهم، والعهود.. إنّه لآمرٌ، جدُّ فظيعٌ!..

    ووقفوا أمام عزيز مصر مستعطفين…

    {قالوا: ياأيّها العزيزُ إنّ له أباً شيخاً كبيراً، فخُذ أحدنا مكانه إنّا نراك من المحسنين. قال: معاذ الله أن نأخُذ إلاّ من وجدنا متاعنا عنده إنّا إذاً لظالمون}

    فأطرقوا!.. إنّ العزيز ليقول حقّاً ويحكمُ عدلاً!..

    يهمُّون بالإنصراف، وقد اكتسحهُم همٌّ ثقيلٌ، فبأيِّ وجهٍ سيُلاقون أباهم، وقد أخذ عليهم موثقاً من الله، غليظاً، وعاهدوه، فما قُدِّرَ لهم الوفاء؟

    ويضرب كبيرُهُم الأرض بقدمه، قائلاً لإخوته:

    - ويحكُم!.. أنسيتُم عهدكُم لأبيكم. بئس ماتعودون به إليه،.. أمّا أنا، {فلن أبرح الأرض حتّى يأذن لي أبي، أو يحكُم الله لي وهو خيرُ الحاكمين}.

    وعاد أبناء يعقوب إلى أبيهم، مطرقي الرؤوس، منكّسي الهامات، كأنّهم وراء جنازةٍ يسيرون.. ويخبرنه بالحدث، فيضربُ يعقوبُ رأسه بكلتا يديه!..

    بالأمس فرّطوا بيوسف، واليوم ببنيامين،..

    وأجهش الشيخ منتحباً.. ورماهم بغليظ القول، أشدّ من السّياط لسعاً، واتَّهمهم بالتَّفريط والتّقصير، سوؤ النيّة، والتّقدير!..

    ولكنّ الشّيخ الكبير لايزالُ على عظيم ثقة ببقاء يوسف جيّاً يُرزق، وبأن بنيامين سيعود إليه يوماً!..

    ولكن: أين يكونُ الأول؟… ومتى يعودُ الثاني؟..

    وغالبهُ حزنٌ وقهرٌ قغلباه. فاستسلم لمشيئة الله، وكأنّ قبله تقطّعهُ المدى!.. وقال لأبنائه: {يابنيَّ اذهبوا فتحسسّوا من يوسفَ وأخيه ولاتيأسوا من روح الله إنّه لاييأسُ من روح الله إلاّ القوم الكافرون}.

    خاصةً، وأنّ القحط والجفاف عادا يضربان أرض شماليِّ الجليل، فالسّنواتُ عجافٌ، شدادٌ، مهازيلُ.


    * المفاجأة:


    ويذكرُ أبناء يعقوب عزيز مصر، وعدله، وكرم يده، وشمائله الحسان، وأخاهُم لديه.. فيجمعون مابحوزتهم من مالٍ يسيرٍن ويتوجَهون به إلى بلاد العزيز..

    ويدخلون عليه قائلين:

    ياأيُّها العزيزُ، لقد ابتُلينا بأمورٍ عظامٍ، وخُطوبٍ جسامٍ إذ شحّت السّماءُ، وأجدبت الغبراءُ، فأصابت أهلينا البأساءُ والضّرّاء، وجئناك بما أبقت عليه الأيام النّكداءُ، والخطوب النّكراءُ، وهو مالٌ جدُّ يسيرٌ، وقليلٌ حقيرٌ، {فأوف لنا الكيل وتصدّق علينا إنّ الله يجري المتصدّقين}

    { قال: هل علمتُم مافعلتُم بيوسُفَ وأخيه إذ أنمت جاهلون}.

    ويستعيدون في أذهانهم صورة أخيهم يوسف، كفلقة القمر اشراقاً ولألاءً، إنّه، وربِّ ابراهيمَ- لهو!.. وقد القت النعماء عليه مسحةً من مزيد بهاءٍ وإشراقٍ..

    فيا للمُفاجأة الصّاعقة!..

    ويصرخُ بعضُ إخوته، وقد داهمتهُم المُفاجأةُ فأخرجتهُم عن طورهم، وتأدُّبهم أمام عزيز مصر، {قالوا: أإنّك لأنت يوسُفُ!}

    ويجيبهم بكل هدوءٍ: {قال: أنا يوسفُ وهذا أخي قدْ منَّ الله علينا، إنّه من يتّق ويصبِر فإنَّ الله لايُضيعَ أجرَ المحسنين}.

    فاعترفوا بخطيئتهم، وقد تطأطأت منهم الرُّؤوسُ، فلا يستطيعون النّظر إلى وجه إخيهم خجلاً من فعلتهم الشَّنعاء…

    واستأذنُوه أن يعودوا إلى أبيهم بالبُشرى، فإذن لهم.. وجهّزهم بما ناءت به العيرُ، وبقميصٍ له، طلب إليهم أن يلقُوه على وجه أبيهم حينَ يصلون!..

    وقفلت العيرُ، وئيدةً، بطيئةً، بما عليها من أحمالٍ ثقالٍ، وقد توجّه بها أبناء يعقوب إلى بلادهم في شماليِّ الجليل، وقد علا صوتُ الحادي، فأخذت العيرُ تجدُّ في المسير!..

    وأخيراً،.. وصلت العير إلى مواطنها، وأشرف أبناءُ يعقوب على أبيهم، وقد حمل البشيرُ قميص يوسف، وأخذ يعدو نحو أبيه..

    فصاح يعقوبُ: {إني لأجِدُ ريحَ يوسُفَ}

    وطُرِحً قميصُ يوسفَ على وجه يعقوب المتغضِّن، الّذي لايبين منه إلاّ لحيةٌ كثّةٌ، مرسلةٌ على سجيّتها، تعلوها عينان غائرتان، غاض فيهما النّورُ، .. فارتدَّ بصيراً!… وسجد لله شكراً؟، وقد ردَّ إليه يوسفَ بعد طولِ غيابٍ..

    فيا للبُشرى التي لايُحيطُ بها وصفٌ، وكأنّها لغرابتها، من عالم الخيال!..

    وبعد عدَّة أيام تهيَّأ يعقوبُ، وأهلُ بيته جميعاً، للتوجُّهِ إلى مصر حيث العزيزُ، العزيزُ!..

    وشهدت أرضُ كنعان قافلةً تحملُ خليطاً من رجالٍ ونسوةٍ، وصبيةٍ صغارٍ، وبعض مالٍ، ومتاعٍ،.. وفي مقدّمتها شيخٌ مهيبٌ وقورٌ، يحث راحلته إلى أرض الكنانة!.


    * رواية:
    ورد في إحدى الرّوايات، أنّ بعض أملاك السّماء استأذنوا الله أن يشهدوا لحظة لقاء يوسُفَ بأبيه يعقوبَ، فأُذن لهم، إنّها من اللّحظات النّادرة في التاريخ!..

    وشاهدت الملائكةُ في هذا اللِّقاءِ عجباً:

    الشيخ يفتحُ ذراعيه، صائحاً، ساعة شاهد إبنه، ويعدو نحوه، وكأنّه يطير.. وكذلك فعل يوسُفُ!..

    ويصل كلٌّ منهما إلى صاحِبه..

    ويرتمي كلٌّ منهما في حِضن الآخر..

    ويتعانقان.. حتى يكادَ جسداهما يلتصف الواحدُ منهما بالآخر!.. وقد تحدّرت منهما دموع الفرح بسخاء، فتقطّرت على الأرض، غزاراً..

    كما شهد هذا اللّقاء خلقٌ من المصريين، اصطفُّوا مرحّبين، وقد اغرورقت عيونهم بالدّموع..

    وآوى يوسف أبويه وإخوته إليه في القصر، وقد أحاطوا به..

    وانتظم عقدُ لقاء يوسُف بأبويه وإخوته أجمعين، وقد خرّوا له سُجّداً..

    فالتفت يوسفُ إلى أبيه قائلاً: {ياأبت هذا تأويل رؤيايَ من قبلُ قد جعلها ربّي حقاًّ}

    ويهزُّ الشيخ برأسه، وقد طفرت من عينه دمعةٌ حرَّى..

    ويُردِفُ يوسف، قائلاً، بصوتٍ متهدِّج، وقد رفع كلتا يديه إلى السَّماء:

    -{ربّ قد آتيتني من المُلك، وعلّمتني من تأويل الأحاديث، فاطر السّموات والأرض، أنتَ وليِّي في الدُّنيا والآخروة، توفّني مسلماً وألحقني بالصّالحين}.

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد مايو 19, 2024 8:00 am